الأحد، 24 فبراير 2013

سيره الامام★ابــــــو حنيفـــــــه★

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

مدخل إلى موضوع الدرس

أيها الأخوة الكرام، أربعة دروس إن شاء الله من نوع جديد، نحن نسمع بأبي حنيفة النعمان، وبالإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، والإمام مالك، هؤلاء الأئمة الذين اجتهدوا ، واستنبطوا الأحكام الفقهية الفرعية من الآيات والأحاديث الشريفة، هؤلاء يجب أن نقف قليلاً عند مناقبهم، لا أقول عند سيرتهم، بل عند مناقبهم . ففي هذا الدرس سيكون الحديث عن أبي حنيفة النعمان، وفي درس آخر عن الإمام الشافعي، وفي ثالث عن الإمام أحمد، وفي رابع عن الإمام مالك .

أيها الأخوة، نبدأ بالإمام أبي حنيفة النعمان، شيء أساسيٌ من خلال هذه المناقب, يتضح لكم: أن هؤلاء الأئمة العظام، الذين فتح الله عليهم، ووضعوا أيديهم على دقائق الشريعة ، وأحكامها التفصيلية، إذا نظرت إلى ورعهم، وإلى استقامتهم، وإلى التزامهم بأحكام الشرع, وجدتَهم قمماً في هذا الموضوع .

 نسبه وقبيلته

وُلِد أبو حنيفة رحمه الله بالكوفة سنة ثمانين من الهجرة على القول الراجح (699م).                        ونشأ رحمه الله بالكوفة في أسرة مسلمة صالحة غنية كريمة، ويبدو أنه كان وحيد أبويه، وكان أبوه يبيع الأثواب في دكان له بالكوفة، ولقد خَلَف أبو حنيفة أباه بعد ذلك فيه.

حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم في صغره، شأنه شأن أمثاله من ذوي النباهة والصلاح. وحين بلغ السادسة عشرة من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزياة النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده.... وكان أول ما اتجه إليه أبو حنيفة من العلوم علم أصول الدين ومناقشة أهل الإلحاد والضلال، ولقد دخل البصرة أكثر من سبع وعشرين مرة، يناقش تارةً ويجادل ويرد الشبهات عن الشريعة تارة أخرى، وكان يدفع عن الشريعة ما يريد أهل الضلال أن يلصقوه بها، فناقش جهم بن صفوان حتى أسكته، وجادل الملاحدة حتى أقرَّهم على الشريعة، كما ناظر المعتزلة والخوارج فألزمهم الحجة، وجادل غلاة الشيعة فأقنعهم.

مضى الإمام أبو حنيفة رحمه الله في هذه السبيل من علم الكلام وأصول الدين، ومجادلة الزائغين وأهل الضلال، حتى أصبح عَلَمًا يُشار إليه بالبنان، وهو ما يزال في العشرين من عمره، وقد اتخذ حلقة خاصة في مسجد الكوفة، يجلس إليه فيها طلاب هذا النوع من العلوم.

ثم توجَّه أبو حنيفه رحمه الله إلى علم الفقه، وتفقَّه على حمَّاد بن أبي سليمان، حتى صار مقرَّبًا عنده؛ قال حماد: "لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة".


ملامح من شخصية أبي حنيفة وأخلاقه

ورعه وعلمه

كان زاهدًا ورعًا، أراده يزيد بن هبيرة أمير العراق أيام مروان بن محمد أن يلي القضاء فأَبَى، وأراده بعد ذلك المنصور العباسي على القضاء فامتنع، وقال: "لن أصلح للقضاء". فحلف عليه المنصور ليفعلَنَّ، فحلف أبو حنيفة أنه لن يفعل؛ فحبسه المنصور.

قال ابن المبارك: قلتُ لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعتُه يغتاب عدوًّا له. قال: والله هو أعقل من أن يُسلِّط على حسناته ما يذهب بها.

وكان واسع العلم في كل العلوم الإسلامية، وهو الذي تجرَّد لفرض المسائل وتقدير وقوعها وفرض أحكامها بالقياس، وفرَّع للفقه فروعًا زاد في فروعه، وقد تبع أبا حنيفة جُلُّ الفقهاء بعده، ففرضوا المسائل وقدروا وقوعها ثم بيَّنوا أحكامها.

 عبادة أبي حنيفة لله تعالى
كان أبو حنيفة يختم القرآن في كل يوم، ثم حين اشتغل بالأصول والاستنباط واجتمع حوله الأصحاب أخذ يختمه في ثلاثٍ في الوتر. وصلى أبو حنيفة ثلاثين سنة صلاة الفجر بوضوء العتمة، وحجَّ خمسًا وخمسين حجة.

قال مِسْعَر بن كِدَام: "رأيتُ الإمام يصلي الغداة ثم يجلس للعلم إلى أن يصلي الظهر، ثم يجلس إلى العصر ثم إلى قريب المغرب ثم إلى العشاء، فقلتُ في نفسي: متى يتفرغ للعبادة؟ فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد - وكان بيته بجوار المسجد الذي يؤم فيه حِسْبة لله تعالى - فانتصب للصلاة إلى الفجر، ثم دخل فلبس ثيابه - وكانت له ثياب خاصة يلبسها لقيام الليل - وخرج إلى صلاة الصبح ففعل كما فعل، ثم تعاهدته على هذه الحالة فما رأيته مفطرًا، ولا بالليل نائمًا".
شيوخ أبو حنيفة

ولا غرابة في هذا ولا عجب، فقد عاش رحمه الله تعالى سبعين سنة، وحج خمسًا وخمسين مرة، وموسم الحج يجمع علماء العالم الإسلامي في الحرمين

وأستاذ الإمام أبي حنيفة هو حماد بن أبي سليمان، وهو تابعيٌّ كوفي ثقة، روى عنه أبو حنيفة رحمه الله ألفي حديث من أحاديث الأحكام، وأكثر من ثلث أحاديث الإمام في مسنده الذي جمعه الحَصْكَفي، هي برواية الإمام عنه، عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنهم.

ومن شيوخه رحمه الله أيضًا: إبراهيم بن محمد المنتشر الكوفي، وإبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، وأيوب السختياني البصري،
وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أحد الفقهاء السبعة، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وسليمان بن يسار الهلالي المدني، وعاصم بن كليب بن شهاب الكوفي، وغيرهم الكثير.

 تلامذة أبي حنيفة
روى عنه جماعة، منهم: ابنه حماد، وإبراهيم بن طهمان، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وأسد بن عمرو القاضي، والحسن بن زياد اللؤلئِيُّ، وحمزة الزيات، وداود الطائي، وزفر، وعبد الرزاق، وأبو نعيم، ومحمد بن الحسن الشيباني، وهشيم، ووكيع، وأبو يوسف القاضي، وغيرهم كثير.

 منهج الإمام أبي حنيفة في البحث

ابتكر الإمام أبو حنيفة رحمه الله نموذجًا منهجيًّا في تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذ العلماء في حلقة الدرس ليدلي كلٌّ بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِّب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما تقضَّت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة.

وهذه هي الدراسة المنهجية الحرة الشريفة التي يظهر فيها احترام الآراء، ويشتغل فيها عقل الحاضرين من التلامذة، كما يظهر علم الأستاذ وفضله، فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة، كان من العسير نقدها فضلاً عن نقضها.

قال المُوفَّق المكي: "وضع أبو حنيفة رحمه الله مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادًا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة مسألة، يقلِّبها ويسمع ما عندهم ويقول ما عنده، وربما ناظرهم شهرًا أو أكثر من ذلك، حتى يستقر أحد الأقوال فيها


ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها. وإذا أُشكلت عليه مسألة قال لأصحابه: ما هذا إلا لذنب أذنبته. ويستغفر، وربما قام وصلَّى، فتنكشف له المسألة، ويقول: رجوتُ أنه تيب عليَّ".

 آراء العلماء في أبي حنيفة

قال وكيع بن الجرَّاح شيخ الشافعي: "كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يُؤثِر الله على كل شيءٍ، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها".

وقال الإمام الشافعي: "ما طلب أحد الفقه إلا كان عيالاً على أبي حنيفة، وما قامت النساء على رجلٍ أعقل من أبي حنيفة".
وقال الإمام أحمد بن حنبل: "إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحلٍّ لا يدركه أحد، ولقد ضُرب بالسياط لِيَلِيَ للمنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه ورضوانه".

وقال الإمام أبو يوسف: "كانوا يقولون: أبو حنيفة زينَّه الله بالفقه، والعلم، والسخاء، والبذل، وأخلاق القرآن التي كانت فيه". وقال عنه الإمام سفيان الثوري: "ما مقلت عيناي مثل أبي حنيفة".


وفاة أبي حنيفة


تُوفِّي رحمه الله ببغداد سنة 150هـ/ 767م. يقول ابن كثير: "وصُلِّي عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، وقبره هناك رحمه الله".

الخاتمة :
أردت من هذا الدرس أن نأخذ فكرة عن هذا الفقيه الكبير، الذي يتردد اسمه على الألسنة كثيراً في كل يوم، هذا مذهب أبي حنيفة، أبو حنيفة كان على قدر علمه, كان ورعاً عاملاً مطَبِّقًا،

 وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هؤلاء العلماء الكبار العاملون قدوةً لنا في حياتنا .
والحمد لله رب العالمن�



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق